فصل: الملك الناصر فإنه لما انكسر سار نحو دمشق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


قلت‏:‏ وأما

 الملك الناصر فإنه لما انكسر سار نحو دمشق

حتى دخلها ليلة الأربعاء في ثلاثة نفر ونزل بالقلعة وسأل عن الوالد فقيل له محتضر‏.‏

ومات الوالد في يوم الخميس سادس عشر المحرم ودفن من يومه بتربة الأمير تنم الحسني نائب الشام خارج دمشق بميدان الحصى‏.‏

وأما الملك الناصر فإنه أصبح يوم الأربعاء استدعى القضاة والأعيان ووعدهم بكل خير وحثهم على نصرته والقيام معه فانقادوا له فأخذ في تدبير أموره وتلاحقت به عساكره شيئًا بعد شيء‏.‏

ثم قدم عليه الأتابك دمرداش فأصبح خلع عليه في عصر يوم الخميس سادس عشر المحرم بولايته نيابة دمشق - بعد موت الوالد - رحمه الله‏.‏

وأخذ السلطان في الاستعداد وأخرج الأموال ثم استولى على جميع ما للوالد من خيل وجمال وقماش وزردخاناه ومال من كونه وصيًا وأيضًا وكيل زوجته فكان من جملة ما أخذه نحو الألف فرس ما بين مراكيب وجشار واستخدم جميع مماليك الوالد المشتروات ومماليك الخدمة وكانوا أيضًا نحو الألف مملوك وخلع على طوغان دوادار الوالد باستقراره على تقدمة ألف بدمشق على عادته وعلى أرغون شاه شاد شراب خاناته باستقراره على إمرة طبلخاناه وكذلك رأس نوية فكلموه فيما أخذ للوالد من الخيول والقماش فوعدهم برد ما أخذ وأضعافه‏.‏

ثم أحضر السلطان الأموال وصبها‏.‏

بين يديه فأشار عليه دمرداش بالخروح إلى حلب فلم يوافقه وأبى إلا الإقامة في دمشق فأشار عليه ثانيًا بالعود إلى الديار المصرية فلم يرض وأقام بدمشق وكان رأي دمرداش فيه غاية الجودة فإن جميع أمراء التركمان كانت مع الملك الناصر مثل قرايلك وابن قرمان وبني دلغادر وغيرهم فحبب إليه الإقامة بدمشق لأمر سبق في القدم‏.‏

ولما أخرج السلطان الأموال أتاه الناس من كل فج من التركمان والعربان والعشير وغيرهم فكتب أسماءهم وأنفق عليهم وقواهم بالسلاح وأنزل كل طائفة منهم بموضع يحفظه فكان عدة من استخدمه من المشاة زيادةً على ألف رجل‏.‏

وحصن القلعة بالمناجيق والمدافع الكبار وجعل بين كل شرفتين من شرفات سور المدينة جنوية ومن ورائها الرماة بالسهام الخلنج والأسهم الخطائية ونصب على كل برج من أبراج السور شيطانيًا يرمى به الحجارة‏.‏

وأتقن تحصين القلعة بحيث إنه لم يبق سبيل للتوصل إليها بوجه من الوجوه‏.‏

ثم خلع على نكباي الحاجب بنيابة حماة‏.‏

ثم ركب قاضي القضاة جلال الدين البلقيني ومعه بقية قضاة مصر ودمشق وجماعة من أرباب الدولة ونودي بين أيديهم عن لسان السلطان أنه قد أبطل المكوس وأزال المظالم فادعوا له فعظم ميل الشاميين إليه وتعصبوا له وصار غالبهم من حزبه وغنوا عن لسانه‏:‏ أنا سلطان ابن سلطان وأنت يا شيخ أمير وأكثروا من الدعاء له والوقيعة في شيخ ونوروز ووعدوه القتال معه حتى الممات‏.‏

واستمر ذلك إلى بكرة يوم السبت ثامن عشر المحرم فنزل الأمراء على قبة يلبغا خارج دمشق فندب السلطان عسكرًا فتوجهوا إلى القبيبات فبرز لهم سودون المحمدي وسودون الجلب واقتتلوا حتى تقهقر السلطانية منهم مرتين ثم انصرف الفريقان‏.‏

وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم ارتحل الأمراء عن قبة يلبغا ونزلوا غربي دمشق من جهة الميدان ووقفوا من جهة القلعة إلى خارج البلد فتراموا بالنشاب نهارهم وبالنفط فاحترق ما عند باب الفراديس من الأسواق‏.‏

فلما كان الغد من يوم الاثنين عشرين المحرم اجتمع الأمراء للحصار فوقفوا شرقي البلد وقبليه ثم كروا راجعين ونزلوا ناحية القنوات إلى يوم الأربعاء ثاني عشرينه‏.‏

ووقع القتال من شرقي البلد ونزل الأمير نوروز بدار الطعم وامتدت أصحابه إلى العقيبة ونزل طائفة بالصالحية والمزة ونزل شيخ بدار غرس الدين خليل أستادار الوالد تجاه جامع كريم الدين الذي بطرف القبيبات ومعه الخليفة وكاتب فتح الله ونزل بكتمر جلق وقرقماس - سيدي الكبير - في جماعة من جهة بساتين معين الدين ومنعوا الميرة عن الملك الناصر وقطعوا نهر دمشق ففقد الماء من البلد وتعطلت الحمامات وغلقت الأسواق‏.‏

واشتد الأمر على أهل دمشق واقتتلوا قتالًا شديدًا وتراموا بالسهام والنفوط فاحترق عدة حوانيت بدمشق‏.‏

وكثرت الجراحات في أصحاب الأمراء من الشاميين وأنكاهم السلطانية بالرمي من أعلى السور وعظم الأمر وكلوا من القتال‏.‏

تم إن الأمير شيخًا أرسل إلى شهاب الدين الحسباني والباعوني وقاضي القضاة ناصر الدين بن العديم الحنفي قاضي قضاة الديار المصرية - وكان قد انقطع بالشلبية لمرض به - فأحضر شيخ الثلاثة وأنزلهم عنده‏.‏

ثم لحق ناصر الدين بن البارزي وصدر الدين الأدمي الحنفي قاضي قضاة دمشق بالأمير شيخ‏.‏

ولما بلغ الملك الناصر توجه ابن العديم إلى شيخ أرسل خلف محب الذين بن الشحنة قاضي حلب وولاه قضاء الحنفية بالديار المصرية عوضه‏.‏

ثم في يوم الجمعة رابع عشرينه أحضر الأمير شيخ الأمير بلاط الأعرج شاد الشراب خاناه - وكان ممن قبض عليه بعد انهزام الملك الناصر - ووسطه‏.‏

ثم أحضر أيضًا الأمير بلاط أمير علم - وكان ممن قبض عليه أيضًا يوم الواقعة من أجل أنه كان يتولى ذبح خشداشيته من المماليك الظاهرية - فلما حمل للتوسيط صاح‏:‏ يا ظاهرية‏!‏ الجيرة‏!‏ أنا خشداشكم‏!‏ قالوا له‏:‏ الآن أنت خشداشنا وأيام الذبح كنت عدونا‏!‏‏!‏ فلم يقم إليه أحد‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشرين المحرم خلع الخليفة المستعين بالله الملك الناصر فرج من السلطنة واتفق الأمراء على إقامة الخليفة المستعين بالله المذكور في السلطنة لتستقيم بسلطنته الأحوال وتنفذ الكلمة وتجتمع الناس على سلطان‏.‏

وثبت خلع الملك الناصر على القضاة وأجمعوا على إقامة الخليفة سلطانًا فامتنع الخليفة من ذلك غاية الامتناع وخاف ألا يتم له ذلك فيهلك وصمم على الامتناع وخاف من الملك الناصر خوفًا شديدًا‏.‏

فلما عجز عنه الأمراء دبروا عليه حيلةً وطلبوا الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي - وهو أخو الخليفة المستعين بالله لأمه - وندبوه بأن يركب ومعه ورقة تتضمن مثالب الملك الناصر ومعايبه وأن الخليفة قد خلعه من الملك وعزله من السلطنة ولا يحل لأحد معاونته ولا مساعدته‏.‏

فلما بلغ الخليفة ذلك لام أخاه ناصر الدين بن مبارك شاه المذكور على ذلك وأيس الخليفة عند ذلك من انصلاح الملك الناصر له فأذعن لهم حينئذ بأن يتسلطن فبايعوه بأجمعهم وحلفوا له وتم أمره على ما يأتي ذكره في أوائل ترجمته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما الملك الناصر فإنه لما تسلطن الخليفة وخلع هو من الملك نفر الناس عنه وصاروا حزبين‏:‏ حزبًا يرى أن مخالفة الخليفة كفر والناصر قد عزل من الملك فمن قاتل معه فقد عصي الله ورسوله وحزبًا يرى أن القتال مع الملك الناصر واجب وأنه باق على سلطنته ومن قاتله إنما هو باغ عليه وخارج عن طاعته‏.‏

ومن حينئذ أخذ أمر الملك الناصر في إدبار إلى أن قتل في ليلة السبت سادس عشر صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة بالبرج من قلعة دمشق بعدما حوصر أيامًا كما سيأتي ذكره مفصلًا في ترجمة المستعين بالله إلى أن حبس بقلعة دمشق‏.‏

وخبره‏:‏ أنه لما حبس بقلعة دمشق - بعد أمور يأتي ذكرها في سلطنة المستعين وأقام محبوسًا بالبرج إلى ليلة السبت سادس عشر صفر المذكور - دخل عليه ثلاثة نفر هم‏:‏ الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخو الخليفة المستعين بالله لأمه وآخر من ثقات شيخ وآخر من أصحاب نوروز ومعهم رجلان من المشاعلية فعندما رآهم الملك الناصر فرج قام إليهم فزعًا وعرف فيما جاؤوا ودافع عن نفسه وضرب أحد الرجلين بالمدورة صرعه‏.‏

ثم قام الرجل هو ورفيقه ومشوا عليه وبأيديهم السكاكين ولا زالوا يضربونه بالسكاكين المذكورة وهو يعاركهم بيديه وليس عنده ما يدفع عن نفسه به حتى صرعاه بعد ما أثخنا جراحه في خمسة مواضع من بدنه‏.‏

وتقدم إليه بعض صبيان المشاعلية فخنقه وقام عنه فتحرك الملك الناصر فعاد إليه وخنقه ثانيًا حتى قوي عنده أنه مات فتحرك فعاد إليه ثالثًا وخنقه وفرى أوداجه بخنجر كان معه وسلبه ما عليه من الثياب ثم سحب برجليه حتى ألقي على مزبلة مرتفعة من الأرض تحت السماء وهو عاري البدن يستر عورته وبعض فخذيه سراويله وعيناه مفتوحتان والناس تمر به ما بين أمير وفقير ومملوك وحر قد صرف الله قلوبهم عن دفنه ومواراته‏.‏

وبقيت الغلمان والعبيد والأوباش تعبث بلحيته وبدنه‏.‏

واستمر على المزبلة المذكورة طول نهار السبت المذكور‏.‏

فلما كان الليل من ليلة الأحد حمله بعض أهل دمشق وغسله وكفنه ودفنه بمقبرة باب الفراديس احتسابًا لله تعالى بموضع يعرف بمرج الدحداح ولم تكن جنازته مشهودة ولا عرف من تولى غسله ومواراته‏.‏

قلت‏:‏ وما وقع للملك الناصر من قتله وإلقائه على المزبلة مما يدل على قلة مروءة القوم وعدم حفظهم ومراعاتهم لسوابق نعمه عليهم ولحقوق تربية والده الملك الظاهر برقوق عليهم‏.‏

ونفرض أنه أساء لهم وأراد قتلهم وكان مجازاته عن ذلك بالقتل وهو غاية المجازاة فكان الأليق بعد قتله إخفاء أمره ومواراته كما فعل غيرهم بمن تقدم من الملوك فإنه قد حصل مقصودهم بقتله وزيادة‏.‏

حتى إن الذي - والعياذ بالله تعالى - يقع في الكفر تضرب عنقه ثم يؤخذ ويدفن وأيضًا فمراعاة السلطنة وناموس الملك مطلوب من كل واحد والملوك لهم غيرة على الملوك ولو كان بينهم العداوة والخصومة‏.‏

وقد رأيت في تاريخ الإسلام في ترجمة الخليفة محمد المهدي بن الرشيد هارون العباسي أنه سأل بعض جلسائه عن أحوال الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي فقال له بعض من حضر‏:‏ وما السؤال عنه يا أمير المؤمنين‏!‏ كان رجلا فاسقًا زنديقًا‏.‏

فلما سمع الخليفة المهدي كلامه نهره وقال له‏:‏ صه خلافة الله أجل أن جعلها في زنديق وأقامه من مجلسه‏.‏

وكان الوليد كما قال الرجل غير أن المهدي غار على منصب الخلافة فقال ذلك مع علمه بحال الوليد‏.‏

فلعمري أين فعل هؤلاء من قول المهدي‏!‏ مع أن خلفاء بني العباس كانوا أشد بغضًا لخلفاء بني أمية من بغض هؤلاء للملك الناصر غير أن العقول تتفاوت وتتفاضل والأفعال تدل على شيم الفاعل - انتهى‏.‏

ومات الملك الناصر وله من العمر أربع وعشرون سنة وثمانية أشهر وأيام فكانت مدة ملكه من يوم مات أبوه الملك الظاهر برقوق إلى أن خلع لأخيه الملك المنصور عبد العزيز - حسبما تقدم ذكره - ست سنين وخمسة أشهر وأحد عشر يومًا وخلع من السلطنة بأخيه المذكور سبعين يومًا ومن يوم أعيد إلى السلطنة بعد خلع أخيه المذكور في يوم السبت خامس جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانمائة إلى يوم خلعه المستعين بالله من السلطنة في يوم السبت خامس وعشرين المحرم من سنة خمس عشرة وثمانمائة ست سنين وعشرة أشهر سواء‏.‏

فجميع مدة سلطنته الأولى والثانية - سوى أيام خلعه - ثلاث عشرة سنة‏:‏ وثلاثة أشهر وأحد عشر يومًا‏.‏

وكان الملك الناصر من أشجع الملوك وأفرسها وأكرمها وأكثرها احتمالًا وأصبرها على العصاة من أمرائه‏.‏

حدثني بعض أعيان المماليك الظاهرية أن الملك الناصر ما قتل أحدًا من الظاهرية ولا غيرهم حتى ركب عليه وآذاه غير مرة وهو يعفو عنه وتصديق ذلك أنه لما قبض على الأمير شيخ والأتابك يشبك الشعباني بدمشق في سنة عشر وثمانمائة وحبسهما بقلعة دمشق كان يمكنه قتلهما فإن ذلك كان بعد ما حارباه في واقعة السعيدية وكسراه أقبح كسرة وأما شيخ فإنه كان تكرر عصيانه عليه قبل ذلك غير مرة‏.‏

وقد رأينا من جاء بعده من الملوك إذا ركب عليه أحد مرةً واحدةً وظفر به لم يبقه والكلام في بيان ذلك من وجوه عديدة يطول الشرح فيه وليس تحت ذلك فائدة‏.‏

ولم أرد بما قلته التعصب للملك الناصر المذكور فإنه أخذ مالنا وجميع موجود الوالد وتركنا فقراء - يعلم ذلك كل أحد - غير أن الحق يقال على أي وجه كان‏.‏

وكان صفته شابًا معتدل القامة أشقر له لثغة في لسانه بالسين غير أنه كان أفرس ملوك الترك بعد الملك الأشرف خليل بن قلاون بلا مدافعة‏.‏

قلت‏:‏ ولنذكر هنا من مقالة الشيخ تقي الدين المقريزي في حقه من المساوىء نبذةً برمتها وللناظر فيها التأمل قال‏:‏ وكان الناصر أشأم ملوك الإسلام فإنه خرب بسوء تدبيره جميع أراضي مصر وبلاد الشام من حيث يصب النيل إلى مجرى الفرات وطرق الطاغية تيمور بلاد الشام في سنة ثلاث وثمانمائة وخرب حلب وحماة وبعلبك ودمشق حتى صارت دمشق كومًا ليس بها دار‏.‏

وقتل من أهل الشام مالا يحصى عدده‏.‏

‏.‏

‏.‏

وطرق ديار مصر الغلاء من سنة ست وثمانمائة فبذل أمراء دولته جهدهم في ارتفاع الأسعار بخزنهم الغلال وبيعهم لها بالسعر الكثير‏.‏

ثم زيادة أطيان أراضي مصر حتى عظمت كلفة ما تخرجه الأرض‏.‏

وأفسدوا مع ذلك النقود بإبطال السكة الإسلامية من الذهب والمعاملة بالدنانير المشخصة التي هي ضرب النصارى‏.‏

ورفعوا سعر الذهب حتى بلغ إلى مائتين وأربعين درهمًا كل مثقال بعد ما كان بعشرين درهمًا ومكسوا كل شيء‏.‏

وأهمل عمل الجسور بأراضي مصر وألزم الناس أن يقوموا عنها بالأموال التي تجبى منهم‏.‏

وأكثر وزراؤه من رمي البضائع على التجار ونحوهم بأغلى الأثمان وكل ذلك من سعد الدين بن غراب وجمال الدين يوسف الأستادار وغيرهما فكانا يأخذان الحق والباطل ويأتيان له به لئلا يعزلهم من وظائفهم‏.‏

ثم ماتوا فتم هو على ذلك يطلب المال من المباشرين فيسدون بالظلم فخربت البلاد لذلك وفشا أخذ أموال الناس‏.‏

هذا مع تواتر الفتن واستمرارها بالشام ومصر وتكرار سفره إلى البلاد الشامية فما من سفرة سافر إليها إلا وينفق فيها أموالًا عظيمة زيادةً على ألف ألف دينار يجبيها من دماء أهل مصر ومهجهم‏.‏

ثم يتقدم إلى الشام فيخرب الديار ويستأصل الأموال ويدمر القرى‏.‏

ثم يعود وقد تأكدت أسباب الفتنة وعادت أعظم ما كانت فخربت الإسكندرية وبلاد البحيرة وأكثر الشرقية ومعظم الغربية والجيزية وتدمرت بلاد الفيوم وعم الخراب بلاد الصعيد بحيث بطل منها زيادة على أربعين خطبة كانت تقام في يوم الجمعة ودثر ثغر أسوان وكان من أعظم ثغور المسلمين وخرب من القاهرة وأملاكها وظواهرها زيادة عن نصفها‏.‏

ومات من أهل مصر في الغلاء والوباء نحو ثلثي الناس‏.‏

وقتل في الفتن بمصر مدة أيامه خلائق لا تدخل تحت حصر مع مجاهرته بالفسوق من شرب الخمر وإتيان الفواحش والتجرؤ العظيم على الله جلت قدرته‏.‏

ومن العجيب أنه لما ولد كان قد أقبل يلبغا الناصري بعساكر الشام لينزع أباه الملك الظاهر برقوق من الملك - وهو في غاية الاضطراب من ذلك - فعندما بشر به قيل له‏:‏ ما تسميه‏.‏

‏.‏

‏.‏

قال‏:‏ بلغاق - يعني فتنة - وهي كلمة تركية‏.‏

فقبض على أبيه الملك الظاهر وسجن بالكرك - كما تقدم ذكره أو هو لم يسم فلما عاد برقوق إلى الملك عرض عليه فسماه فرجًا ولم يسمه أحد لذلك اليوم إلا بلغاق وهو في الحقيقة ما كان إلا فتنة أقامه الله - سبحانه وتعالى - نقمةً على الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا‏.‏

ومن عجيب الاتفاق أن حروف اسمه ‏"‏ ف رج ‏"‏ عددها ثلاثة وثمانون ومائتان وهي عدد جركس وكان فناء طائفة الجركس على يديه‏.‏

فإن حروفها تفنى إذا أسقطت بحروف اسمه‏.‏

قلت‏:‏ كيف كان فناء الجركس على يديه وهم إلى الآن ملوك زماننا وسلاطينها‏!‏‏.‏

فهذا هو الخباط بعينه‏!‏‏.‏

وإن كان يعني الذين قتلهم فهو قتل من كل طائفة - انتهى‏.‏

قال‏:‏ وكانت وفاته عن أربع وعشرين سنة وثمانية أشهر وأيام‏.‏

وكل هذه الأمور من سوء تدبير مماليك أبيه معه والفتنة في بعضهم البعض وهم الذين جسروه على المظالم وعلى قتل بعضهم فاستمر على الظلم والقتل إلى أن كان من أمره ما كان - انتهى كلام المقريزي بتمامه وكماله‏.‏

قلت‏:‏ وكان يمكنني أن أجيب عن كل ما ذكره المقريزي - غير إسرافه على نفسه - غير أني أضربت عن ذلك خشية الإطالة والملل‏.‏

على أني موافقه على أن الزمان يصلح ويفسد بسلطانه وأرباب دولته ولكن البلاء قديم حديث - انتهى‏.‏

وخلف الملك الناصر عشرة أولاد - فيما أظن - ثلاثة ذكور وسبع إناث‏.‏

فالذكور‏:‏ فرج ومحمد وخليل والإناث‏:‏ ستيته التي زوجها لبكتمر جلق وعائشة وآسية وزينب وشقراء وهاجر ورحب والجميع أمهاتهم أم أولاد مولدات ما عدا عائشة وشقراء - والله أعلم‏.‏

السنة الأولى من سلطنة الناصر فرج الثانية وهي سنة ثمان وثمانمائة‏.‏

على أن أخاه الملك المنصور عبد العزيز حكم منها سبعين يومًا‏.‏

فيها أمسك السلطان الملك الناصر الأتابك بيبرس ابن عمته والأمير سودون المارداني الدوادار الكبير بعد عوده إلى الملك - حسبما تقدم ذكره‏.‏

وفيها توفي الشيخ علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عصفور المالكي شيخ الكتاب بالديار المصرية في يوم الاثنين رابع عشرين شهر رجب‏.‏

كان أحد موقعي الدست بالقاهرة وكان يجيد الخط المنسوب بسائر الأقلام وكان ابن عصفور هذا هو الذي كتب عهد الملك المنصور عبد قد نسخ الكتاب من بعده عصفور لما طار للخلد مذ كتب العهد قضى نحبه وكان منه آخر العهد وتوفي الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد ابن الخليفة المعتصم بالله أبي بكر ابن الخليفة المستكفي بالله سليمان بن الحاكم بأمر الله أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن الحسين ابن الخليفة الراشد بالله منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله أحمد بن المقتفي بالله إبراهيم بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد ابن الأمير الموفق طلحة ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد بالله هارون بن المهدي محمد ابن الخليفة أبي جعفر عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي المصري يوم الثلاثاء ثامن شهر رجب ودفن بالمشهد النفيسي خارج القاهرة‏.‏

بويع المتوكل بالخلافة بعد موت أبيه بعهد منه إليه في يوم سابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة وتم أمره إلى أن خلعه أينبك البدري في ثالث صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة بزكرياء بن إبراهيم‏.‏

ثم أعيد في عشرين شهر ربيع الأول منها فاستمر إلى أن خلعه الملك الظاهر برقوق في أول شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة بعمر بن إبراهيم ولقب بالواثق‏.‏

ثم أعاده في عشرين شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فاستمر في الخلافة إلى أن مات‏.‏

وتولى الخلافة بعده ابنه المستعين بالله العباس‏.‏

قلت‏:‏ ولا نعلم خليفةً تخلف من أولاده لصلبه خمسة غير المتوكل هذا وهم‏:‏ المستعين العباس ثم المعتضد داود ثم المستكفي سليمان - وهما أشقاء - ثم القائم بأمر الله حمزة - وهو شقيق المستعين بالله المتقدم ذكره - ثم المستنجد بالله يوسف خليفة زماننا هذا عامله الله باللطف‏.‏

وتوفي قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن خلدون الحضرمي الإشبيلي المالكي قاضي قضاة الديار المصرية بها في يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان فجاءةً‏.‏

وقد ولي القضاء غير مرة‏.‏

ومولده في يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة إثنتين وثلاثين وسبعمائة بمدينة تونس‏.‏

وكان إمامًا عالمًا بارعًا في فنون من العلوم وله نظم ونثر وقد استوعبنا ترجمته في المنهل الصافي وذكرنا قدومه إلى القاهرة ومشايخه وغير ذلك‏.‏

ومن شعره من قصيدة‏:‏ الكامل أسرفن في هجري أو في تعذيبي وأطلن موقف عبرتي ونحيبي وتوفي القاضي الأمير سعد الدين إبراهيم بن عبد الرزاق بن غراب في ليلة الخميس تاسع عشر شهر رمضان - ولم يبلغ من العمر ثلاثين سنة - بعد مرض طويل‏.‏

وكان ولي نظر الخاص في دولة الملك الظاهر برقوق ثم الوزر ونظر الجيش وكتابة السر والاستادارية في دولة الملك الناصر فرج الأولى‏.‏

ثم صار في سلطنته الثانية أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية وأمير مجلس ولبس الكلفتاة وتقلد بالسيف وحضر الخدمة السلطانية مرة واحدة ونزل إلى داره فلزم الفراش إلى أن مات‏.‏

وكان له مكارم وأفضال وهمة عالية لم يسمع بمثلها في عصره مع عدم ظلمه بالنسبة إلى غيره من أبناء جنسه وأما سفك الدماء فلم يدخل فيه البتة وقد اقتدى جمال الدين يوسف البيري طريقه في المكارم والتحشم غير أنه أمعن في سفك الدماء حتى تجاوز الحد - عليه من الله ما يستحقه - وكان أصل سعد الدين هذا من أولاد الكتبة الأقباط بالإسكندرية ثم اتصل بخدمة الأمير محمود بن علي الأستادار واختص به حتى صار عارفًا بجميع أحواله ثم بسفارته ولي نظر الخاص عوضًا عن سعد الدين بن أبي الفرج بن تاج الدين موسى في يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وعمره إذ ذاك دون العشرين سنة‏.‏

ولما استفحل أمره أخذ في المرافعة في أستاذه محمود المذكور في الباطن ولا زال يسعى في ذلك حتى كان زوال نعمة محمود المذكور على يديه‏.‏

ثم ترقى بعد ذلك حتى كان من أمره ما كان فلم يعد له من المساوىء غير مرافعته في محمود المذكور لا غير‏.‏

وتوفي الشيخ الإمام الأديب زين الدين طاهر بن الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب الحلبي الموقع الكاتب في ليلة سادس عشر ذي القعدة‏.‏

وكان أديبًا شاعرًا مكثرًا ومن شعره‏:‏ أفدى رشًا ما مر بي أو خطرا كالغصن رشيق إلا لقيت في هواه خطرا باللحظ رشيق والسالف والوجيه عقلي قمرا آس وشقيق مذ أسفر وجهه يحاكى قمرا للبدر شقيق وله أيضا في الملك الظاهر لما أمسك منطاشًا السريع الملك الظاهر في عزه أذل من ضل ومن طاشا ورد في قبضته طائعًا نعيرًا العاصي ومنطاشًا وتوفي الوزير الصاحب تاج الدين عبد الله ابن الوزير الصاحب سعد الدين ابن البقري القبطي المصري تحت العقوبة في ليلة الإثنين ثامن عشرين ذي القعدة‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين قاني باي بن عبد الله العلائي الظاهري أحد أمراء الألوف بالديار المصرية بها في ليلة الأحد حادي عشرين شوال بعد مرض طويل‏.‏

وكان يعرف بالغطاس لكثرة هروبه واختفائه‏.‏

وكان من شرار القوم كثير الفتن‏.‏

وهو أحد من كان سببًا لأخذ تيمورلنك مدينة دمشق لأنه اتفق مع جماعة من الأمراء والخاصكية وعاد الجميع إلى مصر ليسلطنوا الشيخ لاجين الجندي الجركسي فخاف من بقي من الأمراء أن يتم لهم ذلك وأخذوا السلطان الملك الناصر فرجًا وخرجوا من دمشق على حين غفلة وساروا في أثرهم حتى أدركوهم بمدينة غزة وتركوا دمشق مأكلةً لتيمور‏.‏

قلت‏:‏ الدال على الخير كفاعله فهو شريك لتيمور فيما اقتحمه من سفك الدماء وغيره‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين بلاط بن عبد الله السعدي أحد أمراء الطبلخانات بالديار المصرية - بطالًا بها - في رابع عشرين جمادى الأولى‏.‏

وكان ساكنًا عاقلًا‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين جقمق بن عبد الله الصفوي حاجب حجاب دمشق - قتيلًا - في حادي عشر شهر ربيع الآخر ضرب الأمير شيخ المحمودي عنقه وكان من قدماء الأمراء‏.‏

ولي حجوبية حلب في دولة الملك الظاهر برقوق ثم ولي نيابة ملطية ثم تنقل في عدة ولايات إلى أن ولي حجوبيه دمشق‏.‏

ووقع بينه وبين الأمير شيخ وحشة حتى كان من أمره ما كان‏.‏

وتوفي الأمير سيف الدين شيخ بن عبد الله السليماني الظاهري المعروف بالمسرطن في حادي عشر شهر ربيع الآخر خارج دمشق بعد أن صار أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر ثم نائب صفد ثم نائب طرابلس ووقع له أمور‏.‏

وشيخ هذا هو ثاني من سمي بهذا الاسم واشتهر والأول شيخ الصفوي الخاصكي المقدم ذكره والثالث هو شيخ المحمودي الملك المؤيد - انتهى‏.‏

وتوفي الوزير الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقولا الأزمني الملكي في رابع شهر ربيع الآخر بعدما ولي عدة وظائف‏.‏

كان أولًا صيرفيًا بقطيا ثم صار كاتبًا بها ثم ولي نظرها ثم استقر وزيرًا بالديار المصرية أستادارًا ثم ولي كشف الوجه البحري‏.‏

قال المقريزي‏:‏ كان أولًا يسمى بالمعلم ثم سمي بالقاضي ثم نعت بالصاحب ثم بالأمير ثم بملك الأمراء كل ذلك في مدة يسيرة من السنين - انتهى‏.‏

وتوفي الطاغية تيمورلنك كوركان وقد تقدم نسبة في ترجمة الملك الناصر فرج الأولى على اختلاف كبير في نسبه‏.‏

مات في ليلة الأربعاء تاسع عشر شعبان في هذه السنة - وقيل في الماضيه - وهو نازل بضواحي أترار بالقرب من آهنكران ومعنى آهنكران باللغة العربية الحدادون وآهنكر الحداد وكان سبب موته أنه خرج من بلاعه لأخذ بلاد الصين - وقد انقضى فصل الصيف ودخل الخريف - وكتب إلى عساكره أن يأخذوا الأهبة لمدة أربع سنين فاستعدوا لذلك وأتوه من كل جهة وصنع له خمسمائة عجلة لحمل أثقاله‏.‏

ثم خرج من سمرقند في شهر رجب وقد اشتد البرد ونزل على سيحون وهو جامد فعبره ومر سائرًا فأرسل الله عليه من عذابه جبالًا من الثلج التي لم يعهد بمثلها مع قوة البرد الشديد فلم يبق أحد من عساكره حتى امتلأت آذانهم وعيونهم وخياشيمهم وآذان دوابهم وأعينها من الثلج إلى أن كادت أرواحهم تذهب‏.‏

ثم اشتدت تلك الرياح وملأ الثلج جميع الأرض - مع سعتها - فهلكت بهائمهم‏.‏

وجمد كثير من الناس وتساقطوا عن خيولهم موتًا‏.‏

وجاء بعقب هذا الثلج والريح أمطار كالبحار وتيمور مع ذلك لا يرق لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس بل يجد في السير فما أن وصل تيمور إلى مدينة أترار حتى هلك خلق كثير من قوة سيره‏.‏

ثم أمر تيمور أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارة وأفاويه لدفع البرد وتقوية الحرارة فعمل له ما أراد من ذلك‏.‏

فشرع تيمور يستعمله ولا يسأل عن أخبار عساكره وما هم فيه إلى أن أثرت حرارة ذلك وأخذت في كبده وأمعائه فالتهب مزاجه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام‏.‏

فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر ونساؤه وخواصه في صراخ إلى أن هلك إلى لعنة الله وسخطه فلبسوا عليه المسوح‏.‏

ومات ولم يكن معه أحد من أولاده سوى حفيده سلطان خليل ابن ميران شاه بن تيمور وسلطان حسين ابن أخته فأرادا كتمان موته فلم يخف ذلك على الناس فتسلطن خليل المذكور بعد جده تيمور وبذل الأموال وعاد إلى سمرقند برمة جده تيمور‏.‏

فخرج الناس إلى لقائه لابسين المسوح بأسرهم وهم يبكون ويصرخون‏.‏

ودخل ورمة تيمور بين يديه في تابوت أبنوس والملوك والأمراء وكافة الناس مشاة بين يديه وقد كشفوا رؤوسهم وعليهم المسوح إلى أن دفنوه على حفيده محمد سلطان بمدرسته وأقيم عليه العزاء أيامًا وقرئت عنده الختمات وفرقت الصدقات ومدت الحلاوات والأسمطة بتلك الهمم العظيمة ونشر أقمشته على قبره وعلقوا سلاحه وأمتعته على الحيطان حوالي قبره وكلها ما بين مرصع ومكلل ومزركش في تلك القبة العظيمة وعلقت بالقبة المذكورة قناديل من ذهب والفضة من جملتها قنديل من ذهب زنته أربعة الآف مثقال - وهو رطل بالسمرقندي وعشرة أرطال بالدمشقي وأربعون رطلًا بالمصري - وفرشت المدرسة بالبسط الحرير والديباج‏.‏

ثم نقلت رمته إلى تابوت من فولاذ عمل بشيراز وهو على قبره إلى الآن وتحمل إليه النذورة من وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالًا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة‏.‏

وكان تيمور طويل القامة كبير الجبهة عظيم الهامة شديد القوة أبيض اللون مشربًا بحمرة عريض الأكتاف غليظ الأصابع مسترسل اللحية أشل اليد أعرج اليمنى تتوقد عيناه جهير الصوت لا يهاب الموت قد بلغ الثمانين وهو متمتع بحواسه وقوته‏.‏

وكان يكره المزاح ويبغض الكذاب قليل الميل إلى اللهو على أنه كان يعجبه الصوت الحسن‏.‏

وكان نقش خاتمه رستي‏.‏

رستي ومعناه‏:‏ صدقت‏.‏

نجوت‏.‏

وكان له فراسات عجيبة وسعد عظيم وحظ زائد في رعيته‏.‏

وكان له عزم ثابت وفهم دقيق محجاجًا سريع الإدراك متيقظًا يفهم الرمز ويدرك اللمحة ولا يخفى عليه تلبيس ملبس‏.‏

وكان إذا عزم على شيء لا ينثني عنه لئلا ينسب إلى قلة الثبات‏.‏

وكان يقال له صاحب قران الأقاليم السبعة وقهرمان الماء والطين وقاهر الملوك والسلاطين‏.‏

وكان مغرمًا بسماع التاريخ وقصص الأنبياء عليهم السلام ليلًا ونهارًا حتى صار - لكثرة سماعه للتاريخ - يرد على القارىء إذا غلط فيها‏.‏

وكان يحب العلم والعلماء ويقرب السادة الأشراف ويدنى أرباب الفنون والصنائع‏.‏

وكان انبساطه بهيبة ووقار وكان يباحث أهل العلم وينصف في بحثه ويبغض الشعراء والمضحكين ويعتمد على أقوال الأطباء والمنجمين حتى إنه كان لا يتحرك بحركة إلا باختيار فلكي‏.‏

وكان يلازم لعب الشطرنج - وقد خرجنا عن المقصود في التطويل في ترجمة تيمور المذكور استطرادًا لكثيرة الفائدة وقد استوعبنا أحواله مستوفاةً في المنهل الصافي فلينظر هناك - انتهى‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان سواء‏.‏

مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وثلاثة وعشرون إصبعًا‏.‏